فصل: الخبر عن بني سكمان موالي السلجوقية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


 قسمه قليج أرسلان أعماله بين ولده وتغلبهم عليه

ثم قسم قليج أرسلان سنة سبع وثمانين أعماله بين ولده فأعطى قونية بأعمالها لغياث الدين كسنجر واقصرا وسيواس لقطب الدين ودوقاط لركن الدين سليمان وأنقرة وهي أنكورية لمحيي الدين وملطية لعز الدين قيصر شاه و ‏"‏ ‏"‏ ولمغيث الدين وقيسارية لنور الدين محمود وأعطى تكسار واماسا لابني أخيه‏.‏ وتغلب عليه ابنه قطب الدين وحمله على انتزاع ملطية من يد قيصر شاه فانتزعها ولحق قيصر شاه بصلاح الدين بن أيوب مستشفعاً به فأكرمه وزوجه ابنة أخيه العادل‏.‏ وشفع له عند أبيه وأخيه فشفعوه وردوا عليه ملطية‏.‏ ثم زاد تغلب ركن الدين وحجر عليه وقتل دائبة في مدينته ‏"‏ ‏"‏ وهو اختيار الدين حسن فخرج سائر بنيه عن طاعته وأخذ قطب الدين أباه وسار به إلى قيسارية ليملكها من أخيه فهرب قليج أرسلان ودخل قيسارية‏.‏ وعاد قطب الدين إلى قونية واقصرا فملكهما وبقي قليج أرسلان ينتقل بين ولده من واحد إلى آخر وهم معرضون عنه حتى استنجد بغياث الدين كسنجر صاحب منهم فأنجده وسار معه إلى قونية فملكها‏.‏ ثم سار إلى أقصرا وحاصرها ثم مرض قليج أرسلان وعاد إلى قونية فتوفي فيها‏.‏ وقيل إنما اختلف ولده عليه لأنه ندم على قسمة أعماله بينهم وأراد إيثار ابنه قطب الدين بجميعها وانتقضوا عليه لذلك وخرجوا عن طاعته وبقي يتردد بينهم وقصد كسنجر وصاحب قونية فأطاعه وخرج معه بالعساكر لحصار محمود أخيه في قيسارية وتوفي قليج أرسلان وهو محاصر لقيسارية ورجع غياث الدين إلى قونية‏.‏

 وفاة قليج أرسلان وولاية ابنه غياث الدين

ثم توفي قليج أرسلان بمدينة قونية أو على قيسارية كما مر من الخلاف منتصف ثمان وثمانين لسبع وعشرين سنة من ملكه وكان مهيباً عادلاً حسن السياسة كثير الجهاد‏.‏ ولما توفي واستقل ابنه غياث الدين كسنجر بقونية وما إليها‏.‏ وكان قطب الدين أخوه صاحب اقصرا وسيواس‏.‏ وكان كلما سار من إحداهما إلى الأخرى يجعل طريقه على قيسارية وبها أخوه نور الدين محمود يتلقاه بظاهرها حتى استنام إليه مدة فغدر به وقتله وامتنع أصحابه بقيسارية‏.‏ وكان كبيرهم حسن فقتله مع أخيه ثم أطاعوه وأمكنوه من البلد ومات قطب الدين إثر ذلك‏.‏ ولما توفي قليج أرسلان وولي بعده في قونية ابنه غياث الدين كسنجر وبنوه يومئذ على حالتهم في ولا يهم التي قسمها بينهم أبوهم‏.‏ وملك قطب الدين منهم قيسار بعد أن غدر بأخيه محمود صاحبها‏.‏ ومات قطب الدين إثر ذلك فسار ركن الدين سليماً صاحب دوقاط إلى التغلب على أعمال سلفه ببلاد الروم فسار إلى سيواس واقصرا وقيسارية أعمال قطب الدين فملكها‏.‏ ثم سار إلى قونية فحاصر بها غياث الدين وملكها ولحق غياث الدين بالشام كما يأتي خبره‏.‏ ثم سار إلى نكسار وأماسا فملكهما وسار إلى ملطية سنة سبع وتسعين فملكها من يد معز الدين قيصر شاه ولحق معز الدين بالعادل أبي بكر بن أيوب‏.‏ ثم سار إلى أرزن الروم وكانت لولد الملك محمد بن حليق من بيت ملك قديم وخرج إليه صاحبها ليقرر معه صلحاً فقبض عليه وملك البلد فاجتمع لركن الدين سائر أعمال إخوته ما عدا أنقرة لحصانتها فجمر عليها الكتائب وحاصرها ثلاثاً‏.‏ ثم لحق من قتل أخاه وملك البلد سنة إحدى وستمائة وتوفي هو عقب ذلك والله تعالى أعلم‏.‏

 وفاة ركن الدين وولاية ابنه قليج أرسلان

ثم توفي ركن الدين سليمان بن قليج أرسلان أوائل ذي القعدة من تمام سنة إحدى وستمائة وولي بعده ابنه قليج أرسلان فلم تطل مدته‏.‏ وكان ركن الدين ملكاً حازماً شديداً على

  استيلاء غياث الدين كسنجر على بلاد الروم من أخيه ركن الدين

كان غياث الدين كسنجر بن قليج أرسلان لما ملك أخوه ركن الدين قرنية من يده لحق بحلب وفيها الظاهر غازي بن صلاح الدين فلم يجد عنده قبولاً فسار إلى القسطنطينية وأكرمه ملك الروم وأصهر إليه بعض البطارقة في ابنته‏.‏ وكانت له قرية حصينة في أعمال قسطنطينية فلما استولى الإفرنج على القسطنطينية سنة ستمائة لحق غياث الدين بقلعة صهره البطريق‏.‏ وبلغ إليه خبر أخيه تلك السنة وبعث إليه بعض الأمراء من قونية يستدعيه للملك فسار إليه واجتمعوا على حصار قونية‏.‏ وخرجت إليهم العساكر منها فهزموه ولحق ببعض البلاد فتحصن بها‏.‏ ثم قام أهل اقصرا بدعوته وطردوا واليهم وبلغ الخبر إلى أهل قونية فثاروا بقليج أرسلان بن ركن الدين وقبضوا عليه واستدعوا غياث الدين فملكوه وأمكنوه من ابن أخيه‏.‏ وكان أخوه قيصر شاه قد لحق بصهره العادل أبي بكر بن أيوب فاستنصر به على أخيه ركن الدين عندما ملك ملطية من يده فأمر له بالرها‏.‏ واستفحل ملك غياث الدين وقصده علي بن يوسف صاحب شميشاط ونظام الدين بن أرسلان صاحب خرت برت وغيرهما‏.‏ وعظم شأنه إلى أن قتله أشكر صاحب قسطنطينية سنة سبع وستمائة والله تعالى ولي التوفيق‏.‏

 مقتل غياث الدين كسنجر وولاية ابنه كيكاوس

ولما قتل غياث الدين كسنجر وولي بعده ابنه كيكاوس ولقبوه الغالب بالله‏.‏ وكان عمه طغرل شاه بن قليج أرسلان صاحب أرزن الروم طلب الأمر لنفسه وسار إلى قتال كيكاوس ابن أخيه وحاصره في سيواس وقصد أخوه كيقباد بن كسنجر بلد أنكورية من أعماله فاستولى عليها‏.‏ وبعث كيكاوس صريخه إلى الملك العادل صاحب دمشق فانفذ إليه العساكر وأفرج طغرل عن سيواس قبل وصولهم فسار كيكاوس إلى أنكورية وملكها من يد أخيه كيقباد وحبسه وقتل أمراءه وسار إلى عمه طغرل في أرزن الروم فظفر به سنة عشر وقتله وملك بلاده‏.‏

 مسير كيكاوس إلى حلب واستيلاؤه على بعض أعمالها

ثم هزيمته وارتجاع البلد من يده كان الظاهر بن صلاح الدين صاحب حلب قد توفي وملك بعده ابنه طفلاً صغيراً وكان بعض أهل حلب قد لحق بكيكاوس فراراً من الظاهر وأغراه بملك حلب وهون عليه أمرها وملك ما بعدها‏.‏ ولما مات الظاهر قوي عزمه وطمعه في ذلك واستدعى الأفضل بن صلاح الدين من شميشاط للمسير معه على أن تكون الخطبة لكيكاوس والولاية للأفضل في جميع ما يفتحونه من حلب وأعمالها‏.‏ فإذا فتحوا بلاد الجزيرة مثل حران والرها من يد الأشرف لكون ولايتها لكيكاوس وتعاقدوا على ذلك‏.‏ وساروا سنة عشرة فملكوا قلعة زغبان وتسلمها الأفضل على الشرط ثم ملكوا قلعة تل باشي فاستأثر بها كيكاوس وارتاب الأفضل‏.‏ ثم بعث ابن الظاهر صاحب حلب إلى الأشرف بن العادل صاحب الجزيرة وخلاط يستنجده على أن يخطب له بحلب وينقش اسمه على السكة فسار لإنجاده ومعه احياء طيء من العرب فنزل بظاهر حلب‏.‏ وسار كيكاوس والأفضل إلى منبج ولقيت طليعتهم طليعة الظاهر فاقتتلوا‏.‏ وعاد عسكر كيكاوس منهزمين إليه فأجفل وسار الأشرف إلى زغبان وتل باشر وبهما أصحاب كيكاوس فغلبهم عليهما‏.‏ وأطلقهم إلى صاحبهم فأحرقهم بالنار وسلم الأشرف الحصنين إلى شهاب الدين بن الظاهر صاحب حلب وبلغه الخبر بوفاة أبيه الملك العادل بمصر فرجع عن قصد بلاد الروم‏.‏

 وفاة كيكاوس وملك أخيه كيقباد

كان كيكاوس بعد الواقعة بينه وبين الأشرف قد اعتزم على قصد بلاد الأشرف بالجزيرة وأتفق مع صاحب آمد وصاحب إربل على ذلك وكانا يخطبان له‏.‏ ثم سار إلى ملطية يشغل الأشرف عن الموصل حتى ينال منها صاحب إربل‏.‏ ومرض في طريقه فعاد‏.‏ ومات سنة ست عشرة وخلف بنيه صغاراً‏.‏ وكان أخوه كيقباد محبوساً منذ أخذه من أنكورية فأخرجه الجند من محبسه وملكوه وقيل بل أخرجه هو من محبسه وعهد إليه‏.‏ ولما ملك خالف عليه عمه صاحب أرزن الروم فوصل يده بالأشرف وعقد معه صلحاً‏.‏ الفتنة بين كيقباد وصاحب آمد من بني أرتق وفتح عدة من حصونه كانت الفتنة قد حدثت بين الأشرف صاحب الجزيرة والمعظم صاحب دمشق وجاء جلال الدين خوارزم من الهند سنة ثلاث وعشرين بعد هروبه أمام التتر فملك أذربيجان وأعتضد به المعظم صاحب دمشق على الأشرف وظاهرهما الملك مسعود صاحب آمد من بني أرتق فأرسل الأشرف إلى كيقباد ملك الروم يستنجده على صاحب آمد والأشرف يومئذ محاصر لماردين فسار كيقباد وأقام على ملطية وجهز العساكر من هناك إلى آمد ففتح حصوناً عدة‏.‏ وعاد صاحب آمد إلى موافقة الأشرف فكتب إلى كيقبا أن يرد عليه ما أخذه فامتنع فبعث عساكره إلى صاحب آمد مدداً على كيقباد‏.‏ وكان محاصراً لقلعة الكحنا فلقيهم وهزمهم وأثخن فيهم وعاد ففتح القلعة والله أعلم‏.‏

  استيلاء كيقباد على مدينة أرزنكان

كان صاحب أرزنكان هذه بهرام شاه من بني الأحدب بيت قديم في الملك وملكها ستين سنة ولم يزل في طاعة قليج أرسلان وولده‏.‏ وتوفي فملك بعده ابنه علاء الدين داود شاه وأرسل عنه كيقباد سنة خمس وعشرين ليعسكر معه فسار إليه وقبض عليه وملك مدينة أرزنكان‏.‏ وكان من حصونه كماح فامتنع نائبه فيه وتهدد داود شاه فبعث إلى نائبه فسلم له الحسن‏.‏ ثم قصد أرزن الروم وبها ابن عمر طغرل شاه بن قليج أرسلان فبعث بن طغرك شاه بطاعته للأشراف واستنجد نائبه بخلاط حسام الدين على فسار إليه فخام كيقباد عن لقائه وعاد من أرزنكان إلى بلاده فوجد العدو من الإفرنج قد ملك قلعة منها تسمى صنوبا مطلة على بحر الخزر فحاصرها براً وبدراً وارتجعها المسلمون والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق‏.‏ فتنة كيقباد مع جلال الدين كان صاحب أرزن الروم وهو ابن عم كيقباد صار إلى طاعة جلال الدين خوارزم شاه وحاصر معه خلاط وفيها أيبك مولى الأشرف فملكها جلال الدين وقتل أيبك كما يأتي في أخباره‏.‏ فخافهما كيقباد صاحب الروم فاستنجد الملك الكامل وهو بدران فأمنه بأخيه الأشرف من دمشق فجمع عساكر الجزيرة والشام وسار إلى كيقباد فلقيه بسيواس واجتمعوا في خمسة وعشرين ألفاً‏.‏ وساروا من سيواس إلى خلاط فلقيهم جلال الدين في نواحي أرزنكان فهاله منظرهم ومضى منهزماً إلى خلاط‏.‏ ثم سار منها إلى أذربيجان فنزلوا عند خوي‏.‏ وسار الأشرف إلى خلاط فوجد جلال الدين قد خربها فعادوا إلى بلادهم وترددت الرسل في الصلح فاصطلحوا‏.‏ كان علاء الدين كيقباد قد استفحل ملكه ببلاد الروم ومد يده إلى ما يجاوره من البلاد فملك خلاط بعد أن دافع عنها مع الأشرف بن العادل جلال الدين خوارزم شاه فنازعه الأشرف في ذلك واستصرخ بأخيه الكامل فسار في العساكر من مصر سنة إحدى وثلاثين‏.‏ وسار معه الملوك من أهل بيته وانتهى إلى النهر الأزرق من تخوم الروم‏.‏ وبعث في مقدمته المظفر صاحب حماة من أهل بيته فلقيه كيقباد وهزمه وحصره في خرت برت وكانت لبني أرتق‏.‏ ورجع الكامل بالعساكر إلى مصر سنة اثنتين وثلاثين وكيقباد في اتباعهم‏.‏ ثم سار إلى حران والرها فملكهما من يد نواب الكامل وولى عليهما من قبله وسار الكامل سنة ثلاث وثلاثين فارتجعهما‏.‏

 وفاة كيقباد وملكه ابنه كنخسرو

ثم توفي علاء الدين كيقباد سنة أربع وثلاثين وستمائة وملك بعده ابنه غياث الدين كنخسرو وقارن ذلك انقراض الدولة السلجوقية من ممالك الإسلام واختلال دولة بني خوارزم شاه وخرج التتر من مفازة الترك وراء النهر و استيلاء جنكزخان سلطانهم على الممالك وانتزاعها من يد بني خوارزم شاه‏.‏ وفر جلال الدين آخرهم إلى الهند ثم رجع واستولى على أذربيجان وعراق العجم‏.‏ وكان بنو أيوب يومئذ بممالك الشام وأرمينية كما نذكر ذلك كله في أماكنه إن شاء الله تعالى‏.‏ وانتشر التتر في سائر النواحي وعاثوا فيها وتغلبوا عليها‏.‏ واستفحل ملكهم فسارت منهم طوائف إلى بلاد الروم سنة إحدى وأربعين فبعث غياث الدين كنخسرو بالصريخ إلى بني أيوب وغيرهم من الترك في جواره‏.‏ وجاء المدد من كل جانب فسار للقائهم ولقيتهم المقدمة على قشمير زنجان فانهزمت المقدمة ووصلوا إليه فانهزم ونجا بعياله وذخيرته إلى مدينة على مسيرة شهر من المعترك ونهبوا سواده ومخلفه وانتشروا في نواحي بلاد الروم وعاثوا فيها وتحصن غياث الدين بهذه المدينة واستولى التتر على خلاط وآمد‏.‏ ثم استأمن لهم غياث الدين ودخل في طاعتهم واستقامت أموره معهم إلى أن مات قريباً من رجوعه‏.‏ وملك التتر قيسارية والله أعلم‏.‏

 وفاة غياث الدين وولاية ابنه كيقباد

ثم توفي غياث الدين كنخسرو سنة أربع وخمسين وترك ثلاثاً من الولد أكبرهم علاء الدين كيقباد وعز الدين كيكاوس وركن الدين قليج أرسلان‏.‏ وولى علاء الدين كيقباد بعهده إليه وكان يخطب لهم جميعاً وأمرهم واحد‏.‏ وكان جنكزخان ملك التتر قد هلك وكان كرسي سلطانهم بقراقروم وولي مكانه ابنه طلوخان وجلس على كرسيه‏.‏ وهو الخان الأعظم عندهم وحكمه ماض في ملوك الشمال والعراق من أهل بيته وسائر عشيرته‏.‏ ثم هلك طلوخان وولي مكانه في كرسيه ابنه منكوخان فبعث أخاه هلاكو لفتح العراق وبلاد الإسماعيلية سنة خمسين وستمائة فسار لذلك وملك العراقين وبغداد‏.‏ ثم جرد الخان الأعظم منكوخان إلى بلاد الروم سنة أربع وخمسين أميراً من أمراء المغل اسمه بيكو في العساكر فسار إلى أرزن الروم وبها سنان الدين ياقوت مولى السلطان علاء الدين فحاصرها شهرين ونصب عليها المجانيق‏.‏ ثم ملكها عنوة وأعمر ياقوت واستلحم الجند بأسرهم واستبقى الباعة والصناع‏.‏ ثم سار إلى بلاد الروم فملك قيسارية و مسيرة شهر معها ورجع‏.‏ ثم عاد سنة خمس وخمسين وعاث في البلاد واستولى على أكثر من الأولى والله تعالى أعلم‏.‏

 وفاة كيقباد وملك أخيه كيكاوس

ولما كثر عيث التتر الذين مع بيكو في مملكة علاء الدين كيقباد واعتزم على المسير إلى الخان الأعظم منكوخان يؤكد الدخول في طاعته ويقتضي مراسمه إلى بيكو ومن معه من المغل بالكف عن البلاد سار من قونية سنة خمس وخمسين ومعه سيف الدين طرنطاي من موالي أبيه‏.‏ واحتمل معه الأموال والهدايا وسار‏.‏ ووثب أخوه عز الدين كيكاوس على أخيه الآخر قليج أرسلان فاعتقله بقونية واستولى على الملك‏.‏ وكتب في أثر أخيه إلى سيف الدين طرنطاي مع بعض الأكابر من أصحابه أن يمكنوه من الهدايا التي معهم يتوجه بها إلى الخان ويردوا علاء الدين فلم يدركوه حتى دخل بلاد الخان ونزل على بعض أمرائه‏.‏ فسعى ذلك الرسول في علاء الدين وطرنطاي بأن معهم سمًا فكبسهم الأمير فوجد شيئاً من المجمودة فعرض عليهم أكلها فامتنعوا فتخيل تحقيق السعاية فسألوه إحضار الأطباء فأزالوا عنه الشك وبعث بهم إلى الخان‏.‏ ومات علاء الدين أثناء طريقة‏.‏ ولما اجتمعوا عند الخان اتفقوا على ولاية عز الدين كيكاوس وأنه أكبر وعقدوا له الصلح مع الخان فكتب له وخلع عليهم‏.‏ ثم كتب بيكو إلى الخان بأن أهل بلاد الروم قاتلوه ومنعوه العبور فأحضر الرسل وعرفهم الخبر فقالوا إذا بلغناهم كتاب السلطان اذعنوا‏.‏ فكتب الخان بتشريك الأميرين عز الدين كيكارس وأخيه ركن الدين قليج أرسلان على أن تكون البلاد قسمة بينهما‏.‏ فمن سيواس إلى القسطنطينية غرباً لعز الدين ومن سيواس إلى أرزن الروم شرقاً المتصلة ببلاد التتر لركن الدين وعلى الطاعة وحمل الأتاوة لمنكوخان ملكهم صاحب الكرسي بقراقروم ورجعوا إلى بلاد الروم وحملوا معه شلوقيقباد إلى أن دفنوه‏.‏

  استيلاء التتر على قونية

ثم سار بيكو في عساكر المغل إلى بلاد الروم ثالثة فبعث عز الدين كيكاوس العساكر للقائه مع أرسلان أيدغمش من أمرائه فهزمه بيكو وجاء في اتباعه إلى قونية فهرب عز الدين كيكاوس إلى العلايا بساحل البحر فنزل بيكو على قونية وحاصرها حتى استأمنوا إليه على يد خطيبهم‏.‏ ولما حضر إليه أكرمه ورفع منزلته وأسلمت امرأته على يده وأمن أهل البلد‏.‏ ثم سار هلاكو إلى بغداد سنة خمس وستين وبعث عن بيكو وعساكره من بلاد الروم بالحضور معه فاعتذر بالأكراد الذين في طريقه من الغراسلية والياروقية فبعث إليهم هلاكو العساكر فأجفلوا وانتهت العساكر إلى أذربيجان وقد أجفل أهلها أمام الأكراد فاستولوا عليها‏.‏ ورجعوا صحبة بيكو إلى هلاكو فحضر معه فتح بغداد وقد مر خبرها في أخبار الخلفاء‏.‏ ويأتي في أخبار هلاكو ونيال أن بيكو لما بعث هلاكو لم يحضر معه فتح بغداد واستمر على غمره فلما انقضى أمر بغداد بعث إليه هلاكو من سقاه السم فمات لأنه اتهمه بالاستبداد‏.‏ ثم سار هولاكو بعد فتح بغداد إلى الشام سنة ثمان وخمسين وحاصر حلب وبعث عن عز الدين كيكاوس وركن الدين قليج أرسلان وعن معين الدين سليمان البرنواه صاحب دولتهم‏.‏ وكان من خبره أن أباه مهذب الدين علي كان من الديلم وطلب العلم ونبغ فيه‏.‏ ثم تعرض للوزير سعد الدين المستوفي أيام علاء الدين كيقباد يسأله إجراء رزقه‏.‏ وكان وصافاً فاستحسنه وزوجه ابنته فولدت سليمان ونشأ في الدولة‏.‏ ومات سعد الدين المستوفي فرقى السلطان مهذب الدين إلى الوزارة وألقى إليه بالمقاليد‏.‏ وتوفي مهذب الدين وترقى ابنه سليمان مهذب الدولة وكان يلقب معين الدين وترقى في الرتب إلى أن ولي الحجابة وكان يدعى البرنواه ومعناه الحاجب بلغتهم‏.‏ وكان مختصاً بركن الدين فلما حضر معهما عند هلاكو كما قلناه حلا بعينه وقال لركن الدين لا يأتيني في أموركم إلا هذا فرقت حاله إلى أن ملك بلاد الروم أجمع‏.‏ الفتنة بين عز الدين كيكاوس وأخيه قليج أرسلان و

  استيلاء قليج أرسلان على الملك

ثم وقعت الفتنة سنة تسع وخمسين بين عز الدين كيكاوس وأخيه ركن الدين قليج أرسلان وسار ركن الدين ومعه البرنواه إلى هلاكو يستمحه على أخيه فأمده بالعساكر وحارب أخاه فهزمه عز الدين أولا ثم أمده هلاكو فانهزم عز الدين ولحق بالقسطنطينية‏.‏ واستولى ركن الدين على سائر الأعمال‏.‏ وهرب التركمان إلى أطراف الجبال والثغور والسواحل وبعثوا إلى هلاكو يطلبون الولاية منه على أحيائهم فولاهم وأذن لهم في اتخاذ الآلة فصاروا ملكوكاً من حينئذ‏.‏ وكان محمد بك أميرهم وأخوه علي بك رديفه فاستدعى هلاكو محمد بك فلم يأته فأمر قليج أرسلان وعساكر التتر الذين معه بقتاله فساروا وقاتلوه فانهزم‏.‏ ثم استأمن إلى السلطان ركن الدين فأمنه وجاء به إلى قونية فقتله واستقر علي بك أميراً على التركمان وأورثها بنيه‏.‏ واستولى التتر على البلاد إلى أن كان ما سنذكره إن شاء الله‏.‏

 خبر عز الدين كيكاوس

ولما انهزم عز الدين كيكاوس ولحق بالقسطنطينية أحسن إليه مخاييل الشكري صاحب قسطنطينية وأجرى عليه الرزق‏.‏ وكان معه جماعة من الروم أخواله فحدثتهم أنفسهم بالثورة وتملك القسطنطينية‏.‏ ونمي ذلك عنهم فقبض الشكري عليه وعلى من معه واعتقله ببعض القلاع‏.‏ ثم وقعت بين الشكري وبين منكوتمر بن طغان ملك الشمال من بني دوشي خان بن جنكزخان فتنة وغزا منكوتمر القسطنطينية وعاث في نواحيها فهرب إليه كيكاوس من محبسه فمضى معه إلى كرسيه بصراي فمات هنالك سنة سبع وسبعين‏.‏ وخلف ابنه مسعوداً وخطب منكوتمر ملك صراي أمه فمنعها وهرب عنه ولحق بابقا بن هلاكو ملك العراق فأحسن إليه وأقطعه سيواس وأرزن الروم وأرزنكان فاستقر بها‏.‏

 مققل ركن الدين قليج أرسلان وولاية ابنه كنخسرو

كان معين الدين سليمان البرنواه قد استبد على ركن الدين قليج أرسلان‏.‏ ثم تنكر له ركن الدين فخاف سليمان البرنواه على مكان أخيه عز الدين كيكاوس بالقسطنطينية أن يحدث فيه أمراً‏.‏ فلما بلغه خبر كيكاوس واعتقاله بالقسطنطينية أحكم تدبيره في ركن الدولة فقتله غيلة ونصب للملك ابنه غياث الدين في كفالته وتحت حجره واستقل بملك بلاد الروم واستقامت أموره والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

  استيلاء الظاهر ملك مصر على قيسارية ومقتل البرنواه

كان هلاكو قد زحف إلى الشام سنة ثمان وخمسين مراراً وزحف ابنه ابقا كذلك وقاتلهم الملك الظاهر صاحب مصر والشام‏.‏ وكان كثيراً ما يخالفهم إلى بلادهم فدخل سنة خمس وسبعين إلى بلاد الروم وأميرها يومئذ من التتر طغا‏.‏ وأمده ابقا بأميرين من التتر وهما كداون وترقوا لحماية بلاد الروم من الظاهر فزحفوا إلى الشام‏.‏ وسار إليهم الظاهر من مصر في مقدمته سقر الأسقر فلقيت مقدمته مقدمتهم على كوكصو فانهزم التتر وتبعهم الظاهر والتقى الجمعان على ابليش فانهزموا ثانية‏.‏ وأثخن فيهم الظاهر بالقتل والأسر إلى قيسارية فملكها‏.‏ وكان البرنواه قد دس إليه واستحثه للوصول إلى بلاده فأقام الظاهر على قيسارية ينتظره وبلغ ملك التتر أبقا خبر الواقعة فزحف في جموع المغل إلى قيسارية بعد منصرف الظاهر إلى بلاده‏.‏ فلما وقف على مصارع قومه وجد على البرنواه وصدقت عنه السعاية فيه وأنه الذي استحث الظاهر لأنه لم ير في المعركة مصرع أحد من بلاد الروم ورجع إلى معسكره ومعه سليمان البرنواه واستبد بملكه‏.‏ والله تعالى ولي التوفيق وهو نعم الرفيق لا رب سواه ولا معبود إلا إياه سبحانه‏.‏

 خلع كنخسرو ثم مقتله وولاية مسعود ابن عمه كيكاوس

كان قنطغرطاي بن هلاكو مقيماً ببلاد الروم مع غياث الدين كنخسرو ملك بلاد الروم وصار أمير المغل بها منذ عهد أبقا‏.‏ ولما ولي أحمد تكرار بن هلاكو بعد أخيه أبقو بعث عن أخيه قنطغرطاي فامتنع من الوصول إليه خشية على نفسه‏.‏ ثم حمله غياث الدين على إجابة أخيه وسار معه فقتل تكرار أخاه قنطغرطاي واتهم المغل غياث الدين بأنه علم برأي تكرار فيه واعتمد‏.‏ فلما ولي أرغون بن أبقا بعد تكرار عزل غياث الدين عن بلاد الروم وحبسه بارزنكاي وولي مكانه على المغل ببلاد الروم هولاكو وذلك سنة اثنتين وثمانين‏.‏ وأقام مسعود ملكاً ببلاد الروم سنة ثمان عشرة وسبعمائة وأصابه الفقر وانحل أمره وبقي الملك بها للتتر‏.‏ ثم فشل أمرهم واضمحلت دولتهم إلا بقايا بسيواس من بني أرثا مملوك دمرداش بن جومان‏.‏ واستولى التركمان على تلك البلاد أجمع وأصبح ملكها لهم والله غالب على أمره يؤتي الملك من يشاء وهو العزيز الحكيم‏.‏

 الخبر عن بني سكمان موالي السلجوقية

ملوك خلاط وبلاد أرمينية ومصير الملك إلى مواليهم من بعدهم ومبادي أمرهم وتصاريف أحوالهم كان صاحب مزيد من أذربيجان إسماعيل بن ياقوتي بن داود أخو ألب أرسلان وداود أخو طغرلبك كما مر ولقب إسماعيل قطب الدولة‏.‏ وكان له مولى تركي اسمه سكمان بالكاف والقاف‏.‏ وكان ينسب إليه فيقال سكمان القطبي وكان شهماً عادلاً في أحكامه‏.‏ وكانت خلاط وأرمينية لبني مروان ملوك ديار بكر وكانوا في آخر دولتهم قد اشتد عسفهم وظلمهم وساء حال أهل البلد معهم فاجتمع أهل خلاط وكاتبوا سكمان واستدعوه ليملكوه عليهم فسار إليهم سنة اثنتين وخمسمائة إلى ميافارقين من ديار بكر فحاصرها حتى استأمنوا إليه وملكها‏.‏ ثم أمر السلطان محمد شاه بن ملك شاه الأمير مودود بن مزيد ابن صدقة صاحب الموصل بغزو الإفرنج وانتزاع البلاد من أيديهم وأمر أمراء الثغور بالمسير معه فسار معه برسق صاحب همذان وأحمد بك صاحب مراغة وأبو الهيجاء صاحب إربل وأبو الغازي صاحب ماردين وسقمان القطبي صاحب ديار بكر‏.‏ فساروا لذلك وفتحوا عدة حصون وحاصروا الرها فامتنعت عليهم ثم تل باشر كذلك‏.‏ واستدعاهم رضوان بن تتش صاحب حلب ‏"‏ ‏"‏ فلما ساروا إليه امتنع من لقائهم‏.‏ ومرض سكمان القطبي هنالك فرجع عنهم وتوفي في طريقه ببالس‏.‏ وافترقت العساكر وملك خلاط وبلاد أرمينية بعد مهلكه ابنه ظهير الدين إبراهيم وسار فيهم بسيرة أبيه إلى أن هلك سنة إحدى وعشرين‏.‏ وذلك بعده أخوه أحمد بن سكمان عشرة أشهر‏.‏ ثم توفي فنصب أصحابه للملك بأرمينية وخلاط شاه أرمن سكمان ابن أخيه إبراهيم بن وعمد سنة ثمان وعشرين واستبد شاه أرمن وكانت بينه وبين الكرج وقائع‏.‏ وساروا سنة ست وخمسمائة إلى مدينة أنى من أعمال أران فاستباحوها‏.‏ وسار إليهم في العساكر فهزموه ونالوا منه وكانت عنده أخت طليق بن علي صاحب أرزن الروم ووقعت بينه وبين الكرج حرب فانهزم طليق وأسر وبعث شاه أرمن إلى ملك الكرج وفادى طليقاً ورده إلى ملكه بارزن‏.‏ ثم استولى صلاح الدين بن أيوب على مصر والشام واستفحل ملكه وكاتبه مظفر الدين كوكبري وأغراه بملك الجزيرة ووعده بخمسين ألف دينار‏.‏ وسار صلاح الدين إلى سنجار فحاصرها وهو مجمع المسير إلى الموصل وبها يومئذ عز الدين مودود بن زنكي فاستنجد بشاه أرمن صاحب خلاط فبعث شاه أرمن مولاه مكتمر ‏"‏ ‏"‏ إلى صلاح الدين شفيعاً في صاحب الموصل ووفد عليه وهو محاصر لسنجار ولم يشفعه صلاح الدين فرجع عنه مغاضباً‏.‏ وسار شاه أرمن لقتاله واستدعى قطب الدين نجم الدين إلى صاحب ماردين وهو ابن أخيه وابن خال عز الدين‏.‏ وحضر معه دولة شاه بن طغرك شاه بن قليج أرسلان صاحب ‏"‏ ‏"‏‏.‏ وسار سنة ثمان وسبعين وقد ملك صلاح الدين سنجار وافترقت العساكر‏.‏ فلما بلغه سيرهم بعث عن تقي الدين ابن أخيه شاه من حماة فوافاه سريعاً ورحل إلى رأس عين‏.‏ افترقت جموعهم‏.‏ وسار صلاح الدين إلى ماردين فعاث في نواحيها ورجع‏.‏ ثم سار إلى الموصل آخر إحدى وثلاثين وعبر إلى الجزيرة وانتهى إلى حران‏.‏ ولقيه مظفر الدين كوكبري بن زين الدين ولم يف له بالخمسين ألفاً التي وعده بها‏.‏ وأخذ منه حران والرها‏.‏ ثم أطلقه بما نفذه من مكاتبته وأعاد عليه بلدته وسار من حران فحضر عنده عساكر الحصن وداراً ولقيه سنجر شاه صاحب الجزيرة ابن أخي عز الدين مودود مفارقاً لطاعة عمه وسار معه إلى الموصل‏.‏ ولما انتهى إلى مدينة الابلة بعث إليه عز الدين ابن عمه نور الدين محمود وجماعة من أعيان الدولة راغبين في الصلح فأكرمهم واستشار أصحابه من أعيان الدولة فأشار علي بن أحمد المشطوب كبير الهكارية بالامتناع من ذلك فردهم صلاح الدين واعتذر وسار فنزل على فرسخين من الموصل واشتدوا في مدافعته فامتنعوا عليه فندم على عدم الصلح‏.‏ ورجع على علي المشطوب ومن وافقه باللائمة‏.‏ وخاطبه القاضي الفاضل البيساني من مصر وعزله في ذلك‏.‏ وجاء زين الدين يوسف بن زين الدين صاحب إربل وأخوه مظفر الدين كوكبري فتلقاهما بالتركمة وأنزلهما مع الحشود الوافدة بالجانب الشرقي‏.‏ وبعث علي بن أحمد المشطوب الهكاري إلى قلعة الجزيرة من بلاد الهكارية حاصرها واجتمع عليه الأكراد ولم يزل محاصراً لها حتى عاد صلاح الدين من الموصل‏.‏ وأقام صلاح الدين على حصارها مدة‏.‏ وبلغ عز الدين أن نائبه بالقلعة يكاتبه فمنعه من الصعود إليها وكان يقتدي برأي مجاهد الدين وبعثه في الصلح